القائمة الرئيسية

الصفحات

تحليل مؤلف أديب للكاتب طه حسين

 


الحبكة

تنبني حبكة هذه السيرة على خمسة مقومات رئيسية، هي:

  • البداية: التي تظهر الأديب رجلا كفءا مثقفا رغم صورته البشعة. 

  • والعقدة: التي تتمثل في هجر الأديب لزوجته وعائلته وبلده بحثا عن العلم.

  • الصراع: يتجلى في مواجهة الأديب لذاته وللمشاكل التي تمنعه من السفر إلى الخارج ومحاولته إقناع والديه بما عزم عليه، وفشله في حبه لخادمة الفندق فرنند ومواجهته للجهل والحرب، وفشله أمام مرضه وانحرافه وإفراطه في السهر والشرب والانحلال الأخلاقي.

  • الحل: تمثل في الانعزال في المستشفيات النفسية بحثا عن العلاج.

  • النهاية: تمظهرت في إصابة الأديب بالحمق والجنون.

الشخصيات

ومن أهم الشخصيات الموجودة في النص نذكر الشخصيتين المحوريتين: الأديب و الكاتب، فشخصية الأديب شخصية محورية أساسية؛ لأنها تتغير حسب إيقاع النص الروائي السيروي، إذ ننتقل من شخصسة تهتم بالعلم والثقافة وتقرأ الكثير إلى شخصية ظالمة للزوجة وعاقة لوالديها لينتهي بها المطاف لتكون شخصية منحطة مصابة في عقلها بعد انحرافها وتدهور أخلاقها واستسلامها للشهوات. أما الكاتب فشخصية بسيطة تحافظ على نفس إيقاعها ودماثة أخلاقها، ولم تنبهر بحضارة فرنسا كما انبهر بها الأديب ولم تنغمس في ملذات الدنيا كما انغمس فيها الآخر، لذلك نجد شخصية الكاتب شخصية مخالفة للأديب.

وإذا كانت شخصية الكاتب مثالية في نبل أخلاقها، فإن الأديب عبارة عن شخص عابث لا يبالي بالآخرين وخاصة زوجته حميدة التي همشها وطلقها، والتمادي كذلك في الابتعاد عن والديه العجوزين اللذين يتشوقان إلى رؤيته، من هنا، فأديبنا شخصية أنانية وذميمة في كل شيء، لذلك فأوصافها البشعة الذميمة تدل على طبائعها الأخلاقية.

وثمة شخصيات ثانوية وعابرة أخرى يستحضرها المؤلف كالخادم الأسود وحميدة والوالدين وفرنند وأخ الكاتب، وهذه الشخصيات لها دور تكميلي وهامشي حيث يستدعيها الكاتب كعوامل مساعدة عبر صور التذكر والاسترجاع والاستيحاء.

الفضاء

يتقابل في هذه السيرة فضاءان متناقضان: فضاء مصر وفضاء فرنسا، فالفضاء الأول يمثل بالنسبة للأديب فضاء التخلف والانحطاط والكبت والحرمان والتقاليد الموروثة البالية، في حين يمثل له فضاء فرنسا الحضارة والتقدم والرقي والعلم والأدب الحقيقي، و يجسد له أيضا الحرية والإشباع الغريزي والارتماء في أحضان اللذة والشهوة. كما تمثل له فرنسا كذلك الجمال والاستقرار الروحي والارتواء بالحب الفاتن والسعادة الدنيوية.

ويعكس هذا الصراع الحضاري بين الشرق والغرب والأصالة والمعاصرة... وتبقى صورة الأوربي لدى المثقف الشرق صورة إنسان متقدم يمتلك العلم والجسد والجمال، إن هذه الصورة انبهارية سطحية تغفل الجانب السلبي المتمثل في انهيار الأخلاق وانتشار الرذيلة والفراغ الروحي.

كما يتقابل داخل فضاء مصر: فضاء المدينة (القاهرة) بمؤسساتها وشوارعها المليئة بالحركة والازدحام، وفضاء البادية الذي تغير بفعل الحضارة والمدنية الجديدة حيث شوهت معالم البادية المصرية وأتت على كل ما هو جميل في ذاكرة الكاتب.

بنية الزمن

ويتخذ الزمن في الرواية إيقاعا استرجاعيا، لأنه يقوم على الذاكرة واستعادة الزمن المفقود والذكريات الدفينة. ومن ثم، فالزمن في النص زمن هابط على الرغم من كرونولوجية الأحداث وتعاقبها في مسار النص. ويعني هذا أن الكاتب ينطلق من حاضر الكتابة ويعود إلى الماضي ليستقرىء تجربة الأديب في صراعه مع نفسه ونزواته والواقع الذي يحيط به.

وإذا كان الزمن استرجاعيا فهناك أيضا الزمن الاستشرافي الذي يحيل على أحلام المستقبل وتطلع الشخصيات إلى الغد السعيد من أجل تغيير أوضاعها التي هي عليها الآن: "كان يريد أن ينفق حياته موظفا يثقف نفسه ثقافة جديدة في كل يوم ويلتمس لذته في القراءة والكتابة والحديث... وكنت أريد أن أكون شيخا من شيوخ الأزهر مجددا في التفكير والحياة على نحو ماكان يريد المتأثرون للشيخ محمد عبده...

المنظور السردي

وعلى مستوى المنظور السردي، نلاحظ تنوعا وانتقالا من المنظور الموضوعي المحايد إلى المنظور الذاتي الداخلي، كما ينتقل الكاتب من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم والعكس صحيح كذلك، وبذلك تختلف مستويات المعرفة والحكي حسب كل منظور، ففي الرؤية الداخلية تتساوى معرفة كل من الراوي والشخصية، وفي المنظور المحايد تعلو معرفة السارد على معرفة الشخصية. وهيمنت في هذا النص الرؤية "مع" التي يتساوي فيها السارد والشخصية على مستوى المعرفة.

ويستهدف السارد في هذا النص السرد والتبليغ والتنبيه والتصوير والتنسيق بين الشخصيات والوصف والتشخيص وإدانة كل المثقفين والأدباء الذين ينبهرون بالحضارة الغربية عن جهل ودون وعي، وينساقون وراء غرائزهم وشهواتهم الدنيئة حتى يصابوا بالحمق والجنون والضياع والهلاك والموت

الوصف

التجأ الكاتب إلى الوصف لتصوير الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل لنقل عالم الحكاية وتجسيده في أحسن صياغة فنية. ويمتاز وصف الكاتب بالاستطراد والإسهاب والتطويل على غرار الكتاب الواقعيين أمثال: فلوبير وبلزاك وستندال وإميل زولا ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف.

وقد بدأ الكاتب سيرته باستهلال روائي وصفي يشخص فيه صديقه الأديب لينتقل  لعرض الأحداث السردية لينهي نصه بعرض مأساة الأديب الفظيعة بعد حياة عبثية في حضن الجمال وغواية السكر ومفاتن الجسد وخمول العقل.

ويلاحظ على وصف طه حسين للأديب أنه وصف كاريكاتوري بشع يشمل الداخل والخارج حيث يلتقط المساوئ والعيوب بدقة متناهية قصد استدراج القارئ لمشاركته في الحكم بالسلب على هذه الشخصية الدنيئة التي لاتمت بصلة إلى الأدب مادام قد ظلم الأدب وزوجته ووالديه ووطنه.

البعد الاجتماعي

تحيل هذه السيرة سوسيولوجيا على مصر في انتقالها من الانتداب الإنجليزي إلى عهد الملكية بعد ثورة سعد زغلول 1919م، وما حدث من تغيرات على المستوى الاقتصادي وخاصة في البادية المصرية ومدينة القاهرة التي بدأت تعرف تحولات ديمغرافية واجتماعية. كما تبين لنا انفتاح الحكومة المصرية على الجامعة الحديثة، وإرسال البعثات إلى الخارج لاستكمال الدراسات الجامعية العليا. وتبين لنا السيرة كذلك وضعية التعليم في الأزهر الذي يحتاج إلى تجديد وتغيير لمناهج التدريس بهذه المؤسسة الدينية بطريقة تقليدية؛ مما آل بالوضع التربوي في الأزهر لأن يستلزم التغيير والإصلاح الفوري.

وتشير السيرة كذلك إلى ظروف الحرب العالمية الأولى وآثارها على الإنسان، ناهيك عن تصوير اهتمام المثقفين في مطلع القرن العشرين بالأدب إلى درجة الحب والشغف والجنون، ونسوا العلم وعادوا إلى بلدانهم إما حمقى مجانين، وإما بدون شواهد علمية تذكر، وإما حصلوا عليها بصعوبة...


القراءة التركيبية

إن" أديب" لطه حسين سيرتان متكاملتان: سيرة ذاتية خاصة بالكاتب، وسيرة غيرية متعلقة بالأديب، وفي الوقت نفسه هي رواية فنية، تعتمد على التخييل والالتفات والتشويق والاستطراد والاهتمام بنصاعة البيان وبلاغة التصوير؛ وهذا ما يجعل طه حسين من رواد المدرسة البيانية في الأدب العربي الحديث. كما أن هذه السيرة إدانة لجيل من المثقفين العرب الذين قصدوا أوروبا بحثا عن العلم واستكمالا لدراساتهم العليا، فانبهروا بحضارة الغرب، ولكنهم بدلا من أن يستفيدوا من العلوم والمعارف والآداب سقطوا في الغواية والرذيلة وفتنة الخطيئة. و بالتالي، فرطوا في أَعَزّ ما يملكون من قي،م وفي كل ما يمت بصلة إلى الشرق، لينغمسوا في بوتقة الشر والإفساد، والسقوط في فتنة الغرب، والإيمان بفلسفته المادية وأفكاره المنحلة.

تعليقات